
بقلم: احمد العيسى
11 حزيران 2025
في مثل هذا اليوم، منذ أحد عشر عامًا، توقفت عقارب الزمن في تكريت، حين استيقظ العراق على واحدة من أبشع الجرائم في تاريخه الحديث. مجزرة سبايكر، التي راح ضحيتها ما يقرب من 1700 طالب عسكري أعزل، لا تزال شاهدة على وحشية لم تعرفها البلاد حتى في أحلك ظروفها.
هؤلاء الشبان، الذين لم يكونوا يحملون سوى أحلامهم في خدمة وطنهم، سُحبوا من قاعدة سبايكر العسكرية، وقُتلوا بدمٍ بارد على ضفاف نهر دجلة، فقط لأنهم “ينتمون إلى طائفة معينة”. عصابات “داعش” الإرهابية، التي سيطرت حينها على أجزاء واسعة من العراق، نفذت المجزرة أمام صمتٍ دولي وتخاذل داخلي لم يُفكك خيوطه حتى اليوم.
تمر الذكرى، ولا تزال العائلات تسأل: من سلّم أولادنا؟ من سهّل الجريمة؟ من العقل المدبر؟ أين كانت الأجهزة الأمنية؟ ولماذا لم يتدخل أحد؟
أسئلة ثقيلة تتكرر في كل ذكرى، لكن لا جواب شافٍ، لا تحقيق شفاف، لا عدالة ناجزة، ولا حتى اعتراف رسمي بالمسؤولية الكاملة.
رغم المحاكمات الشكلية والإعدامات المتفرقة لبعض المتهمين، إلا أن المجتمع العراقي لا يزال يشعر أن العدالة لم تأخذ مجراها الحقيقي. فالمجزرة كانت أكبر من مجرد جريمة قتل جماعي؛ كانت هزة عنيفة ضربت قلب الدولة، وكشفت هشاشتها، وتركت جرحًا في الوجدان الوطني لا يُشفى.
اليوم، وبعد 11 عامًا، يقف العراقيون مجددًا أمام الذاكرة المثقلة بالدم، يقرأون أسماء الضحايا من على الجدران، ويشعلون الشموع، ويذرفون الدموع، لكنهم لا يجدون جوابًا واحدًا يبرر كيف انتهكت أرواح أبنائهم بهذه الوحشية.
الجرح لا يندمل لأن الحقيقة لم تُكشف. والسكوت عن الحقيقة، في وطن مثخن بالجراح، لا يعني النسيان، بل يعني أن الجريمة قد تتكرر.
إن مجزرة سبايكر ليست فقط مأساة الماضي، بل تذكير دائم بأن العدالة المؤجلة، هي عدالة منقوصة، لا تليق بدماء الشهداء، ولا تصون كرامة الوطن.