الإنسان الحائر بين الحقيقة والدجل: حين يختطف الخوف عقولنا
بقلم: حنان الصحاف
في أعماق كل إنسان، مهما بلغ من علم أو مكانة، يسكن خوف دفين من المجهول. خوف لا يميز بين غني وفقير، مثقف أو بسيط، مسؤول أو عامل يومي. هو ذاك القلق الأزلي من الغد، من القادم، من الغيب الذي لا نملك مفاتيحه، فيأتي الخوف ليكون ثغرة، منها يتسلل الوهم، ويجد الدجل طريقه إلى العقل والقلب.
ليس مستغربًا أن نجد في مجتمعات اليوم، رغم كل التقدم العلمي والمعرفي، تراجعًا في الثقة بالعلم والعقل، لصالح تفسيرات غيبية يروج لها محترفو الدجل والإيهام. تحت ضغط ظرف معين، مرض مفاجئ، مشكلة نفسية، فشل في علاقة أو وظيفة… يجد الإنسان نفسه بين نارين: الحقيقة العلمية الصلبة، والدجل المريح نفسيًا لكنه زائف. وهنا يتدخل “الرأي الآخر”، ذاك الذي يشيع عبارات مثل “مسحور”، أو “ملبوس”، أو “عليه قرين”، وكلها مفردات لم ينزل الله بها من سلطان، لكنها وجدت بيئة خصبة في مجتمعات مشبعة بالخوف من الغيب، والعجز عن التفسير المنطقي.
الدجالون لا يحتاجون إلى عصا سحرية، بل يتقنون فن الإيحاء، وهم يعلمون جيدًا أن الخوف هو أقصر طريق لتعطيل التفكير. في لحظة انفعال، لا يفرق العقل بين الذكي والبسيط، بين المتعلم والأمي، الكل يصبح قابلًا للتأثر، قابلًا للتصديق. ولعل المأساة تكمن في أن البعض يعطل دور الطبيب النفسي، أو حتى الطبيب العضوي، لصالح مشعوذ أو قارئ طالع يبيعه الوهم على هيئة أمل.
الدجل في جوهره ليس سوى استثمار في قلق الإنسان، تجارة قائمة على رعبه من المجهول. والمخيف أن هذه التجارة رابحة، لأن العقل في لحظة الضعف قد يتنازل عن منطقه، ويمنح ثقته لمن يجيد الكذب بثقة.
الذكاء العقلي ليس مناعة ضد الإيحاء، بل الثبات الانفعالي هو الخط الدفاعي الأول. الإنسان حين يخاف، لا يُحكِّم العقل، بل يبحث عن أي مخرج، ولو كان مزيفًا. ومن هنا، تسقط الحدود بين الطبقات الاجتماعية، وتصبح البشرية كلها تحت رحمة وهم كبير، اسمه الخوف.
لكن، الحقيقة التي يجب ألا تغيب عنا، هي أن كل شيء بيد الله وحده، سبحانه وتعالى. لا أحد يملك الغيب، ولا أحد يقدر على تغيير القدر إلا بالدعاء والعمل والأخذ بالأسباب العلمية. العقل نعمة، والجهل عدو، والدجل طاعون يُستأصل بالوعي لا بالسكوت.
فلنُعد الاعتبار للعقل، ولنثق بالعلم، ولنتعلم أن الخوف لا يجب أن يقودنا، بل أن يكون حافزًا للبحث لا ذريعة للاستسلام.
بقلم: حنان الصحاف
في أعماق كل إنسان، مهما بلغ من علم أو مكانة، يسكن خوف دفين من المجهول. خوف لا يميز بين غني وفقير، مثقف أو بسيط، مسؤول أو عامل يومي. هو ذاك القلق الأزلي من الغد، من القادم، من الغيب الذي لا نملك مفاتيحه، فيأتي الخوف ليكون ثغرة، منها يتسلل الوهم، ويجد الدجل طريقه إلى العقل والقلب.
ليس مستغربًا أن نجد في مجتمعات اليوم، رغم كل التقدم العلمي والمعرفي، تراجعًا في الثقة بالعلم والعقل، لصالح تفسيرات غيبية يروج لها محترفو الدجل والإيهام. تحت ضغط ظرف معين، مرض مفاجئ، مشكلة نفسية، فشل في علاقة أو وظيفة… يجد الإنسان نفسه بين نارين: الحقيقة العلمية الصلبة، والدجل المريح نفسيًا لكنه زائف. وهنا يتدخل “الرأي الآخر”، ذاك الذي يشيع عبارات مثل “مسحور”، أو “ملبوس”، أو “عليه قرين”، وكلها مفردات لم ينزل الله بها من سلطان، لكنها وجدت بيئة خصبة في مجتمعات مشبعة بالخوف من الغيب، والعجز عن التفسير المنطقي.
الدجالون لا يحتاجون إلى عصا سحرية، بل يتقنون فن الإيحاء، وهم يعلمون جيدًا أن الخوف هو أقصر طريق لتعطيل التفكير. في لحظة انفعال، لا يفرق العقل بين الذكي والبسيط، بين المتعلم والأمي، الكل يصبح قابلًا للتأثر، قابلًا للتصديق. ولعل المأساة تكمن في أن البعض يعطل دور الطبيب النفسي، أو حتى الطبيب العضوي، لصالح مشعوذ أو قارئ طالع يبيعه الوهم على هيئة أمل.
الدجل في جوهره ليس سوى استثمار في قلق الإنسان، تجارة قائمة على رعبه من المجهول. والمخيف أن هذه التجارة رابحة، لأن العقل في لحظة الضعف قد يتنازل عن منطقه، ويمنح ثقته لمن يجيد الكذب بثقة.
الذكاء العقلي ليس مناعة ضد الإيحاء، بل الثبات الانفعالي هو الخط الدفاعي الأول. الإنسان حين يخاف، لا يُحكِّم العقل، بل يبحث عن أي مخرج، ولو كان مزيفًا. ومن هنا، تسقط الحدود بين الطبقات الاجتماعية، وتصبح البشرية كلها تحت رحمة وهم كبير، اسمه الخوف.
لكن، الحقيقة التي يجب ألا تغيب عنا، هي أن كل شيء بيد الله وحده، سبحانه وتعالى. لا أحد يملك الغيب، ولا أحد يقدر على تغيير القدر إلا بالدعاء والعمل والأخذ بالأسباب العلمية. العقل نعمة، والجهل عدو، والدجل طاعون يُستأصل بالوعي لا بالسكوت.
فلنُعد الاعتبار للعقل، ولنثق بالعلم، ولنتعلم أن الخوف لا يجب أن يقودنا، بل أن يكون حافزًا للبحث لا ذريعة للاستسلام.